فصل: (سورة الجاثية: الآيات 27- 31).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} {قل} فعل أمر و{اللّه} مبتدأ وجملة {يحييكم} خبر {ثم} حرف عطف للترتيب مع التراخي للإشارة إلى المدة الفاصلة بين الحياة والموت و{يميتكم} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول {ثم} حرف عطف كما تقدم و{يجمعكم} فعل مضارع وفاعل مستتر والكاف مفعول و{إلى يوم القيامة} متعلقان بيجمعكم و{لا} نافية للجنس و{ريب} اسمها و{فيه} خبرها والجملة حال من {يوم القيامة}.
{ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} الواو حالية و{لكن} واسمها وجملة {لا يعلمون} خبرها.

.الفوائد:

الدهر في اللغة مدة بقاء العالم. من دهرهم أمر أي أصابهم به الدهر وفي القاموس ودهرهم أمر كمنع نزل بهم مكروه وهم مدهور بهم ومدهورون. وكان من شأن العرب إذا ضربهم سوء نسبوه للدهر اعتقادا منهم أنه الفعّال لما يريد. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الدهر حتى يوجد ذلك في أشعار المسلمين. قال ابن دريد في مقصورته:
يا دهر إن لم تك عتبى ** فاتئد في إروادك والعتبى سوا

وقد فند أبو العلاء في لزومياته اراء الدهريين فقال:
ودان أناس بالجزاء وكونه ** وقال رجال إنما أنتم بقل

وهذا رد على الدهريين الذين يقولون: إن العالم قديم بالطبع لم يزل كذلك ولم يحدث بإحداث محدث والناس كالنبات ينبتون ويعودون بالموت هشيما. وقال أبو العلاء في الرد على ابن الراوندي وكتابه التاج في رسالة الغفران ومما قاله: وأما ابن الراوندي فلم يكن إلى المصلحة بمهدي وأما تاجه فلا يصلح أن يكون نعلا. وهل تاجه إلا كما قالت الكاهنة: أف وتف. وجورب وخف. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا الدهر فإن اللّه هو الدهر» أي لأنه تعالى هو الفعّال لما يريد لا الدهر والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة.

.[سورة الجاثية: الآيات 27- 31].

{وللَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هو الفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)}.

.اللغة:

{جاثِيَةً} يقال جثا على ركبتيه جثّوا ورأيته جاثيا بين يديه ورأيتهم جثيا عنده وفي الحديث: «أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي اللّه تعالى يوم القيامة» وتجاثوا على الركب فأجاثى خصمه مجاثاة وصار فلان جثوة من تراب قال طرفة:
ترى جثوتين من تراب عليهما ** صفائح صمّ من صفيح منضّد

أي أرى قبر البخيل والجواد كومتين من تراب عليهما حجارة عراض صلاب فيما بين قبور عليها حجارة عراض قد نضدت وعبارة القرطبي:
وفي الجاثية تأويلات خمسة: الأول قال مجاهد مستوفزة وقال سفيان المستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله قال الضحاك: وذلك عند الحساب. الثاني مجتمعة قاله ابن عباس وقال الفرّاء: المعنى وترى أهل كل دين مجتمعين. الثالث متميزة قاله عكرمة. الرابع خاضعة بلغة قريش. الخامس باركة على الركب قاله الحسن. والجثوالجلوس على الركب يقال جثا على ركبتيه يجثو ويجثى جثوا وجثيا على فعو ل فيهما وقد مضى في مريم. وأصل الجثوة الجماعة من كل شيء ثم قيل هو خاص بالكفّار قاله يحيى بن سلام وقيل إنه عامّ للمؤمن والكافر انتظارا للحساب وقد روى سفيان بن عيينة عن عمر بن عبد اللّه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كأني أراكم بالركب جاثين دون جهنم» هذا وقرئ {جاذية} بالذال والجذو أشد استيفازا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه.
{نَسْتَنْسِخُ} أي نستكتب الملائكة أعمالكم. وفي الأساس:
نسخت كتابي من كتاب فلان وانتسخته واستنسخته بمعنى ويكون الاستنساخ بمعنى الاستكتاب. {إنّا كنّا نستنسخ} وهذه نسخة عتيقة ونسخ عتق. والمعنى نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون وإثباته فليس المراد بالنسخ إبطال شيء وإقامة آخر مقامه.

.الإعراب:

{وللَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} كلام مستأنف مسوق لتعميم القدرة بعد تخصيصها بالإحياء والإماتة والجمع لأن معنى المالك أن يتصرف بما يملك كما يشاء. {وللّه} خبر مقدم و{ملك السموات والأرض} مبتدأ مؤخر.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} الواو استئنافية و{يوم} ظرف متعلق بيخسر وجملة {تقوم الساعة} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله وهو بدل من {يوم تقوم} والتنوين في {يومئذ} تنوين عوض عن جملة أي يوم تقوم الساعة وقيل العامل في {ويوم تقوم} ما يدل عليه الملك قالوا لأن السماء والأرض يتبدلان فكأنه قيل وللّه ملك السموات والأرض والملك يوم القيامة و{يومئذ} على هذا منصوب بيخسر و{يخسر المبطلون} فعل وفاعل.
{وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} الواو عاطفة و{ترى} فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره أنت و{كل أمة} مفعول به أول إن كانت الرؤية علمية ولكن سياق الكلام يرجح كونها بصرية و{جاثية} مفعول به ثان على الأول وحال على الثاني و{كل أمة} مبتدأ وجملة {تدعى إلى كتابها} خبر.
{الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} {اليوم} ظرف متعلق بتجزون و{تجزون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{ما} مفعول به ثان لتجزون والجملة مقول قول محذوف أي يقال لهم اليوم تجزون وكان واسمها وجملة {تعملون} خبرها والجملة صلة ما.
{هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} {هذا} مبتدأ و{كتابنا} خبر وجملة {ينطق} خبر ثان أو في موضع النصب على الحال ويجوز أن يكون {كتابنا} بدلا من {هذا} وجملة {ينطق} خبر {هذا} و{بالحق} حال و{عليكم} متعلقان بينطق. وسيأتي معنى نطق الكتاب في باب البلاغة.
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} إن واسمها وجملة {كنّا} خبر إنّا وجملة {نستنسخ} خبر {كنّا} و{ما} مفعول به وجملة {كنتم} صلة ما وجملة {تعملون} خبر {كنتم}.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} الفاء عاطفة وأما حرف شرط وتفصيل للمجمل المفهوم من قوله: {ينطق عليكم بالحق} أو {لتجزون} و{الذين} مبتدأ وجملة {آمنوا} صلة للموصول {وعملوا الصالحات} عطف على {آمنوا} {فيدخلهم} الفاء رابطة لجواب أما وجملة يدخلهم ربهم في رحمته خبر الذين.
{ذلِكَ هو الفَوْزُ الْمُبِينُ} تقدم إعرابها كثيرا.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تُتْلى عَلَيْكُمْ} الواو عاطفة و{أما} حرف شرط وتفصيل و{الذين} مبتدأ وجملة {كفروا} صلة وجواب أما محذوف تقديره فيقال لهم والهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على الجواب المحذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تكن} فعل مضارع مجزوم بلم والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن. و{آياتي} اسم {تكن} وجملة {تتلى عليكم} خبرها.
{فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} الفاء عاطفة و{استكبرتم} فعل وفاعل {وكنتم} كان واسمها و{قوما} خبرها و{مجرمين} نعت لقوما.

.البلاغة:

1- الاستعارة المكنية: في قوله: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق} استعارة مكنية. شبّه الكتاب بشاهد يؤدي شهادته بالحق وحذف المشبه به واستعار له شيئا من لوازمه وهو النطق بالشهادة.
2- وفي قوله: {فيدخلهم في رحمته} مجاز مرسل علاقته الحالية أي في جنته لأن الرحمة لا يحلّ فيها الإنسان لأنها معنى من المعاني وإنما يحلّ في مكانها فاستعمال الرحمة في مكانها مجاز أطلق فيه الحال وأريد المحل فعلاقته الحالية.

.[سورة الجاثية: الآيات 32- 37].

{وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (34) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيات اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) ولهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}.

.الإعراب:

{وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} الواو عاطفة والكلام معطوف على ما سبق لأنه من جملة ما يقال لهم. و{إذا} ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وقيل فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر تقديره هو وإن واسمها وخبرها والجملة مقول القول و{الساعة} مبتدأ وجملة {لا ريب فيها} خبره وقيل {الساعة} عطف على محل إن واسمها معا لأن لأن واسمها موضعا وهو الرفع بالابتداء وقرئ {والساعة} بالنصب عطف على الوعد والجملة في محل نصب سدّت مسدّ مفعولي {ندري} لأنها علقت بالاستفهام وجملة {قلتم} لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{ما} نافية و{ندري} فعل مضارع مرفوع و{ما} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ و{الساعة} خبره.
{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} {إن} نافية و{نظن} فعل مضارع مرفوع و{إلا} أداة حصر و{ظنا} مفعول مطلق وهذا التركيب من المشكلات التي دندن المعربون والمفسرون حولها. وسنورد لك المزيد منها في باب الفوائد. والواو حرف عطف و{ما} نافية حجازية و{نحن} اسمها والباء حرف جر زائد ومستيقنين مجرور بالباء لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما.
{وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} الواو استئنافية و{بدا} فعل ماض و{لهم} متعلقان ببدا و{سيئات} فاعل و{ما} مضاف إليه وجملة {عملوا} صلة ما {وحاق بهم} عطف على {بدا لهم} و{ما} فاعل {حاق} وجملة {كانوا} صلة و{به} متعلقان بيستهزئون وجملة {يستهزئون} خبر {كانوا}.
{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا} الواو عاطفة وقيل فعل ماض مبني للمجهول و{اليوم} ظرف متعلق بننساكم و{كما} نعت لمصدر محذوف و{نسيتم} فعل وفاعل و{لقاء يومكم} مفعول به وقد توسع في الظرف فأضيف إليه ما هو واقع فيه على حدّ قوله: {مكر الليل} وهذا نعت ليومكم أو بدل منه.
{وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ} الواو عاطفة و{مأواكم} خبر مقدّم و{النار} مبتدأ مؤخر ويجوز العكس والواو عاطفة و{ما} نافية و{لكم} خبر مقدم و{من} حرف جر زائد و{ناصرين} مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر.
{ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيات اللَّهِ هُزُوًا} {ذلكم} مبتدأ والإشارة إلى العذاب العظيم الذي أعدّ لهم و{بأنكم} أن وما في حيزها في محل جر بالباء والجار والمجرور خبر ذلك وأن واسمها وجملة {اتخذتم} خبرها و{آيات اللّه} مفعول {اتخذتم} الأول و{هزوا} مفعول {اتخذتم} الثاني.
{وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} الواو حرف عطف و{غرّتكم} فعل ماض ومفعول به مقدم و{الحياة} فاعل مؤخر و{الدنيا} نعت للحياة.
{فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها ولا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} الفاء الفصيحة واليوم ظرف متعلق بيخرجون و{لا} نافية و{يخرجون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{منها} متعلقان بيخرجون {ولا} عطف على ما تقدم و{هم} مبتدأ وجملة {يستعتبون} خبر.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ} الفاء استئنافية وللّه خبر مقدّم و{الحمد} مبتدأ مؤخر و{رب السموات} بدل أو نعت للّه وكذلك ما بعده.
{ولهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الواو عاطفة و{له} خبر مقدم و{الكبرياء} مبتدأ مؤخر و{في السموات} حال من {الكبرياء} ويجوز أن يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف الأول واختار بعضهم أن يتعلق بنفس لأنه مصدر وهو مبتدأ و{العزيز الحكيم} خبران له.

.البلاغة:

1- المجاز المرسل أو الاستعارة المكنية: في قوله: {وقيل اليوم ننساكم} إلخ مجاز مرسل علاقته السببية لأن النسيان سبب الترك وإذا نسي الشيء فقد تركه وأهمله تماما وقال بعضهم: ويجوز أن يعتبر في ضمير الخطاب الاستعارة بالكناية بتشبيههم بالأمر المنسي في تركهم في العذاب وعدم المبالاة بهم وتجعل نسبة النسيان قرينة الاستعارة.
2- الالتفات: وذلك في قوله: {فاليوم لا يخرجون منها} فقد التفت من الخطاب إلى الغيبة عند ما انتهى إلى هذه المثابة التي صاروا إليها فهم جديرون بإسقاطهم من رتبة الخطاب احتقارا لهم واستهانة بهم.

.الفوائد:

أشرنا إلى الإشكال الوارد في قوله تعالى: {إن نظن إلا ظنا} لأن المصدر المؤكد لا يجوز أن يقع استثناء مفرغا فلا يقال ما ضربت إلا ضربا لعدم الفائدة لكونه بمنزلة أن يقال ما ضربت إلا ضربت. ومن المقرر عند النحويين أنه يجوز تفريغ العامل لما بعده من جميع المعمو لات إلا المفعول المطلق فلا يقال ما ظننت إلا ظنا لاتحاد مورد النفي والإثبات وهو الظن والحصر إنما يتصور حين تغاير مورديهما وفيما يلي ما قاله المعربون:
فقال المبرد أصله إن نحن إلا نظن ظنا وهو يريد أن مورد النفي محذوف وهو كون المتكلم على فعل من الأفعال فهذا هو مورد النفي ومورد الإثبات كونه يظن ظنا فكلمة إلا وإن كانت متأخرة لفظا فهي متقدمة في التقدير فمدلو ل الحصر إثبات الظن لأنفسهم ونفي ما عداه ومن جملة ما عداه اليقين والمقصود نفيه لكنه نفي ما عدا الظن مطلقا للمبالغة في نفي اليقين ولذلك أكد بقوله: {وما نحن بمستيقنين}.
أما أبو حيان فأولها على حذف وصف المصدر حتى يصير مختصا لا مؤكدا وتقديره إلا ظنا ضعيفا أو على تضمين نظن معنى نعتقد ويكون ظنا مفعولا به.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى قوله: {إن نظن إلا ظنا}؟
قلت: أصله نظن ظنا ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه وزيد نفي ما سوى الظن توكيدا بقوله: {وما نحن بمستيقنين}.
وردّ أبو حيان على الزمخشري كعادته فقال: هذا كلام من لا شعور له بالقاعدة النحوية من أن التفريغ يكون في جميع المعمو لات من فاعل ومفعول وغيره إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه.